فصل: الألفاظ ذات الصّلة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


دعوة

التّعريف

1 - الدّعوة مصدر ‏"‏ دعا ‏"‏ تقول‏:‏ دعوت زيداً دعاءً ودعوةً، أي ناديته‏.‏

وقد تكون للمرّة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ‏}‏ أي دعاكم مرّةً واحدةً‏.‏ والدّعوة تأتي في اللّغة لمعان منها‏:‏

أ - النّداء، تقول دعوت فلاناً أي ناديته، وهذا هو الأصل في معنى ‏"‏ دعا ‏"‏ مطلقاً ولو من الأعلى للأدنى، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ‏}‏‏.‏

ب - الطّلب من الأدنى إلى الأعلى، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏ واستعمال لفظ الدّعاء في هذا أكثر من ‏"‏ الدّعوة ‏"‏‏.‏

ومثله ‏"‏ الدّعوى ‏"‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَآخِرُدَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ أي آخر دعائهم، وقد يخصّ بطلب الحضور، تقول‏:‏ ‏"‏ دعوت فلاناً ‏"‏ أي قلت له تعال‏.‏

ج - والدّعوة الدّين أو المذهب، حقّاً كان أم باطلاً، سمّي بذلك لأنّ صاحبه يدعو إليه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ‏}‏‏.‏

د - والدّعوة ما دعوت إليه من طعام أو شراب‏.‏ وخصّها اللّحيانيّ بالدّعوة إلى الوليمة، وهي طعام العرس‏.‏

هـ - والدّعوة الحلف، أي لأنّه يدعى به للانتصار‏.‏

و - والدّعوة النّسب، تقول‏:‏ فلان يدعى لفلان، أي ينسب إليه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ‏}‏ والمنسوب إلى غير أبيه يقال له‏:‏ الدّعيّ، وأكثر العرب يقولون في النّسب ‏"‏ الدّعوة ‏"‏ وقال ابن شميل‏:‏ الدِّعوة ‏"‏ بكسر الدّال ‏"‏ في النّسب، والدّعوة في الطّعام، و عديّ بن الرّباب على العكس يفتحون الدّال في النّسب ويكسرون في الطّعام، ونقل ابن عابدين أنّ الدّعوة في دار الحرب بالضّمّ‏.‏

ز - والدّعوة الأذان أو الإقامة، وفي الحديث‏:‏ «الخلافة في قريش، والحكم في الأنصار، والدّعوة في الحبشة»‏.‏

جعل الأذان في الحبشة تفضيلاً لمؤذّن بلال، وإنّما قيل للأذان ذلك لأنّه دعوة إلى الصّلاة، ولذلك يقول المجيب‏:‏ «اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ»‏.‏

وأمّا في اصطلاح الفقهاء فإنّ الدّعوة لا تخرج عن هذه المعاني المذكورة‏.‏

2 - وسنقصر البحث في هذا المصطلح على المعاني التّالية‏:‏

أ - الدّعوة‏:‏ بمعنى طلب الدّخول في الدّين والاستمساك به‏.‏

ب - والدّعوة‏:‏ بمعنى المناداة وطلب الحضور إلى الدّاعي‏.‏

وأمّا الدّعوة‏:‏ بمعنى الدّعاء‏.‏ وهو الرّغبة إلى اللّه تعالى في أن يجيب سؤال الدّاعي ويقضي حاجته فتنظر أحكامها في ‏(‏دعاء‏)‏‏.‏

وأمّا الدّعوة بمعنى النّسب فتنظر أحكامها في‏:‏ ‏(‏نسب‏)‏‏.‏

أوّلاً‏:‏ الدّعوة بمعنى الدّين أو المذهب أو بمعنى الدّخول فيهما

3 - أمّا بالمعنى الثّاني فواضح مأخذه لغةً، فإنّ الدّاعي يطلب من غيره أن يتابعه على دينه، والطّلب دعوة‏.‏

وأمّا إطلاق الدّعوة على الدّين نفسه، أو على المذهب، فلأنّ صاحبه يدعو إليه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ‏}‏ قال الزّجّاج‏:‏ جاء في التّفسير أنّها شهادة أن لا إله إلاّ اللّه أي لأنّها يدعى إليها أهل الملل الكافرة‏.‏ وفي كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى هرقل‏:‏ «إنّي أدعوك بدعاية الإسلام» وفي رواية «داعية الإسلام»‏.‏ قال ابن منظور‏:‏ أي بدعوته‏.‏

ويطلق على الأديان والمذاهب الباطلة أنّها دعوات، كدعوات المتنبّئين، وأرباب المذاهب الفاسدة المبتدعة، كالدّعوات الباطنيّة الّتي أكثرت من استعمال هذا المصطلح ومشتقّاته، غير أنّ ‏"‏ الدّعوة ‏"‏ إذا أطلقت في كلام الفقهاء فالمعنيّ بها دعوة الحقّ وهي الدّعوة الإسلاميّة، كقولهم في أبواب الجهاد‏:‏ لا يحلّ لنا أن نقاتل من لا تبلغه الدّعوة إلى الإسلام‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

4 - أ - الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر‏:‏

الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أوسع دلالةً من ‏"‏ الدّعوة ‏"‏، إذ أنّ ‏"‏ الدّعوة إلى اللّه ‏"‏ أمر بالمعروف الأكبر الّذي هو الإيمان والصّلاح، ونهي عن المنكر الأكبر الّذي هو الكفر باللّه والإشراك به ومعصيته‏.‏

والدّعوة تهدف إلى الإقناع والوصول إلى قلوب المدعوّين للتّأثير فيها حتّى تتحوّل عمّا هي عليه من الإعراض أو العناد، إلى الإقبال والمتابعة، أمّا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فقد يهدف إلى ذلك، وقد يهدف إلى مجرّد وجود المعروف وزوال المنكر، سواء أحصل الاقتناع والمتابعة أم لم يحصلا‏.‏

وعلى هذا فالدّعوة أخصّ من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر‏.‏

ب - الجهاد‏:‏

5 - الجهاد القتال لإعلاء كلمة اللّه، وهو من باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والجهاد فعل، والجهاد ليس هو الدّعوة، بل الدّعوة مطالبة الكافر ونحوه بالإيمان والاتّباع، والدّعوة واجبة قبل القتال، كما سيأتي‏.‏

ج - الوعظ‏:‏

6 - الوعظ والعظة‏:‏ النّصح والتّذكير بالعواقب، قال ابن سيدة‏:‏ هو تذكيرك للإنسان بما يليّن قلبه من الثّواب والعقاب‏.‏ فهو أخصّ من الدّعوة، إذ الدّعوة تكون أيضاً بالمجادلة والمحاورة وكشف الشّبه وتبليغ الدّين مجرّداً‏.‏

حكم الدّعوة

7 - الدّعوة إلى اللّه تعالى فرض لازم، لقوله تعالى ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ‏}‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ واختلف في وجوب الدّعوة إلى اللّه هل هو عينيّ أم كفائيّ‏.‏ وتفصيله ذكر في مصطلح‏:‏ ‏(‏أمر بالمعروف‏)‏‏.‏

فضل الدّعوة إلى اللّه تعالى

8 - يتبيّن فضل القيام بالدّعوة إلى اللّه تعالى من وجوه‏:‏

9 - الوجه الأوّل‏:‏ أنّ الدّعوة إلى اللّه تعالى تولّاها اللّه تعالى، فأرسل الرّسل وأنزل معهم الكتب وأيّدهم بالمعجزات، وأمر بالتّقوى، وأمر النّاس بعبادته وحده لا شريك له، كما أنّه في مخلوقاته نصب الأدلّة على كونه الرّبّ الخالق الّذي ينبغي أن يعبد، وفي كتبه ذكر البراهين الّتي تثبت ذلك، ثمّ بشّر وحذّر وأنذر، وقال‏:‏ ‏{‏وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏‏.‏

وتولّى الدّعوة أيضاً رسله عليهم الصلاة والسلام بتكليف من اللّه تعالى، فإنّ مضمون الرّسالة الدّعوة إلى اللّه تعالى، كما قال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ‏}‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏}‏‏.‏

وآخر الرّسل محمّد صلى الله عليه وسلم بعثه اللّه تعالى وحدّد له مهامّ الرّسالة ومنها الدّعوة إليه تعالى، فقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً‏}‏‏.‏

فوظيفة الدّاعية إذن من الشّرف في مرتبة عالية، إذ أنّها تبليغ دعوة اللّه تعالى، ومتابعة مهمّة الرّسل، والسّير على طريقهم، كما يشير إليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي‏}‏‏.‏

وقد أخبر اللّه تعالى أنّ من دعاء عباد الرّحمن أن يقولوا‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً‏}‏ قال قتادة‏:‏ ‏"‏ أي قادةً في الخير، ودعاة هدىً يؤتمّ بنا في الخير ‏"‏‏.‏

10 - الوجه الثّاني‏:‏ ما يشير إليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ فإنّه يبيّن أنّ الدّعاء إلى اللّه، وما يتبع ذلك، هو أحسن القول، وأعلاه مرتبةً، وما ذلك إلاّ لشرف غاياته وعظم أثره‏.‏

11 - الوجه الثّالث‏:‏ ما يشير إليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ‏}‏، إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏، فالآية تبيّن أفضليّة هذه الأمّة على غيرها، وأنّه هو دعوة النّاس، والتّسبّب في إيمانهم، وفي مسارعتهم إلى المعروف وانتهائهم عن المنكر‏.‏

والآية الثّانية‏:‏ حصرت الفلاح في الدّعاة الآمرين بالمعروف النّاهين، عن المنكر‏.‏

12 - الوجه الرّابع‏:‏ ما يشير إليه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك له من أجورهم شيء» ففيه عظم أجر الدّعاة إذا اهتدى بدعوتهم أقوام قليل أو كثير، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه لمّا أعطاه الرّاية يوم خيبر‏:‏ «انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام فواللّه لأن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النّعم»

أهداف الدّعوة وحكمة مشروعيّتها

13 - يهدف تشريع الدّعوة إلى اللّه تعالى إلى تحقيق أغراض سامية منها‏:‏

أ - إرشاد البشريّة إلى أعلى حقّ في هذا الوجود، إذ بدون الدّعوة لا يتمكّن البشر من معرفة ربّهم، ويبقون في تخبّط من أمر أصل الخلق والغرض منه، ومآله، ووضع الإنسان في هذا الكون، فتغلب عليهم الضّلالات والأوهام كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ‏}‏‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ ‏{‏لِتُخْرِجَ النَّاسَ‏}‏‏:‏ أي بالكتاب وهو القرآن، أي بدعائك إليه من ظلمات الكفر والضّلالة إلى نور الإيمان والعلم بتوفيقه إيّاهم ولطفه بهم، وأضيف إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأنّه الدّاعي، والمنذر الهادي إلى صراط العزيز الحميد‏.‏

ب - إنقاذ البشريّة من أسباب الدّمار والهلاك، فإنّ البشر إذا ساروا في حياتهم بمجرّد عقولهم وأهوائهم وغرائزهم، لا يستطيعون توقّي ما يضرّهم، ويؤدّي بهم إلى الفساد في الغالب، والشّرائع الإلهيّة جاءت بالتّحليل والتّحريم والقواعد الّتي تكفل لمتّبعيها السّعادة والصّلاح واستقامة الأمور‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ‏}‏ أي يحيي دينكم ويعلّمكم، أو إلى ما يحيي به قلوبكم فتوحّدوه، وهذا إحياء مستعار، لأنّه من موت الكفر والجهل، وقال مجاهد والجمهور‏:‏ استجيبوا للطّاعة وما تضمّنه القرآن، ففيه الحياة الأبديّة والنّعمة السّرمديّة‏.‏

ج - تحقيق الغاية من الخلق، فإنّ اللّه تعالى خلق الكون ومهّده للنّاس ليعبد فيه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏‏.‏

قال عليّ رضي الله عنه‏:‏ وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ لآمرهم بالعبادة، وقال مجاهد‏:‏ إلاّ ليعرفوني‏.‏ قال الثّعلبيّ‏:‏ وهذا قول حسن، لأنّه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده‏.‏ ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالدّعوة، ليتمكّن الخلق من معرفة الوجوه الّتي يريد اللّه تبارك وتعالى أن يعبد بها، فإنّ العقل لا يهتدي لذلك من دون أن يبلّغ به ممّن يعلّمه‏.‏

د - إقامة حجّة اللّه على العباد، بأنّ دينه وشرائعه قد بلغتهم حتّى إن عذّبهم لم يكن عذابه ظلماً، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏}‏‏.‏

هـ- تحقيق الهداية والرّحمة المقصودة بإرسال الرّسل وإنزال الكتب، كما قال تعالى لنبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ‏}‏ وقال عن كتابه‏:‏ ‏{‏هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ‏}‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ فالدّعوة هي الوسيلة إلى إطلاع من لم يعلم بالرّسول والكتاب على حقيقتهما وحقيقة ما جاءا به، فتعمّ الرّحمة والهداية إلى المدى الّذي يشاء إليه‏.‏

و- تكثير عدد الأقوام المؤمنين باللّه، وتحقيق عزّة شأن الإسلام والمسلمين‏.‏

ز- ما تقدّم هو في دعوة غير المسلمين، أمّا الدّعوة بين المسلمين فالهدف منها تذكير الغافلين والعصاة، والعودة بالمنحرفين إلى الصّراط المستقيم، وتقليل المفاسد في المجتمع الإسلاميّ، وإزالة الشّبه الّتي ينشرها أعداء الدّين، وتكثير الملتزمين المتمسّكين بتعاليم الدّين ليعيش المؤمنون - ومنهم الدّعاة أنفسهم - في عزّة وقوّة، وفي أمن ورخاء، بخلاف ما لو كثر المنكر وأهله، فإنّ ذلك يؤدّي إلى ضعف أهل الإيمان، وذلّهم بين أقوامهم، وإذا كثر المنكر وأهله حتّى غلبوا كان ذلك سببًا للفتن والعقوبة الّتي قد لا يسلم منها المؤمنون أنفسهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً‏}‏‏.‏

الدّعوة إلى الباطل

14 - حرّم الإسلام الدّعوة إلى الباطل، وشدّد النّكير على دعاة الباطل في آيات صريحة وأحاديث صحيحة، كما حذّر القرآن والسّنّة من مساندة الدّاعين إلى الباطل أو تسهيل الأمر عليهم‏.‏ فحذّر اللّه من دعوة شيطان الجنّ الإنسان إلى معصية اللّه، بأن أخبرنا بمقالته يوم القيامة للضّالّين وللعصاة الّذين أضلّهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ وكذلك شياطين الإنس يقول لهم المدعوّون الّذين ضلّوا بسببهم‏:‏ ‏{‏بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً‏}‏ وحذّر من مصير دعاة الباطل وأتباعهم فقال في فرعون وآله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ‏}‏ وقد دلّ القرآن العظيم على أنّ الدّاعي إلى الباطل يحمل بالإضافة إلى وزر نفسه أوزار من ضلّوا بدعوته، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏ قال ابن كثير‏:‏ إنّ الدّعاة عليهم إثم ضلالهم في أنفسهم، وإثم آخر، بسبب ما أضلّوا من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيء، وهذا من عدل اللّه تعالى‏.‏ وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» وفي الصّحيحين عن حذيفة بن اليمان قال‏:‏ «قلت يا رسول اللّه‏:‏ إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ فجاءنا اللّه بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شرّ‏؟‏ قال‏:‏ نعم ثمّ بيّن هذا الشّرّ فقال‏:‏ دعاة على أبواب جهنّم من أجابهم إليها قذفوه فيها قال حذيفة‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه صفهم لنا، قال‏:‏ هم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا» الحديث‏.‏

وكلّ هذا يوجب على المسلم الحذر من دعوة الباطل وممّن يحمل تلك الدّعوة‏.‏

بيان ما يدعى إليه

15 - أوّل ما يدعى إليه الكافر الّذي لم تبلغه الدّعوة، الإيمان بوجود اللّه تعالى، وتوحيده، والتّصديق بكتابه، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان بسائر كتب اللّه المنزّلة، ورسله، واليوم الآخر، ومتابعة أوامر اللّه ونواهيه، واتّباع ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم وتعظيم اللّه ورسوله، والالتزام بسائر فرائض الإسلام وواجباته، وترك المحرّمات، والإقبال على الأعمال المستحبّة، وعلى محاسن الأخلاق، وتزكية النّفس من شوائب النّفاق والرّياء، وترك ما كرهه الشّرع، وتعلّم القرآن والأحكام‏.‏

16 - والأصل في ذلك حديث ابن عبّاس في الصّحيحين «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن‏:‏ إنّك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة اللّه عزّ وجلّ - وفي رواية‏:‏ فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّي رسول اللّه - فإذا عرفوا اللّه فأخبرهم أنّ اللّه فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا ذلك» - وفي رواية‏:‏ «فإن أطاعوا بذلك - فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم زكاةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم‏.‏ فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم، وتوقّ كرائم أموالهم» قال ابن حجر‏:‏ بدأ بالشّهادتين لأنّهما أصل الدّين الّذي لا يصحّ شيء غيره إلاّ بهما، فمن كان منهم غير موحّد فالمطالبة متوجّهة إليه بكلّ واحدة من الشّهادتين على التّعيين، ومن كان موحّداً فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار والوحدانيّة، ثمّ قال‏:‏ بدأ بالأهمّ فالأهمّ، وذلك من التّلطّف في الخطاب لأنّه لو طالبهم بالجميع في أوّل مرّة لم يأمن النّفرة‏.‏

وقد أمر اللّه تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بالدّعوة إليه فقال‏:‏ ‏{‏وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ‏}‏‏.‏

وفي بعض الآيات عبّر بالدّعوة إلى سبيل اللّه فقال‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ‏}‏ وهذا أعظم ما دعا إليه الرّسل، كما قال اللّه تعالى حكايةً عن قول نوح عليه السلام‏:‏ ‏{‏إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ، أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ‏}‏ وقول كلّ من هود وصالح عليهما السلام‏:‏ ‏{‏قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ‏}‏‏.‏

واجب من بلغته الدّعوة إلى الحقّ

17 - من بلغته الدّعوة من الكفّار إلى دين الإسلام وما فيه من الحقّ، وجب عليه المبادرة إلى قبوله، والرّضا به، ومتابعة الدّاعي إليه، وأن يعلم أنّ ذلك خير ساقه اللّه إليه، وفتح له به بابًا ليدخل إلى مأدبته، كما في الحديث الّذي رواه البخاريّ عن جابر قال‏:‏ «جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو نائم إلى أن قال‏:‏ فقالوا‏:‏ مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبةً، وبعث داعياً، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة» فأوّلوا الرّؤيا فقالوا‏:‏ «الدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمّداً صلى الله عليه وسلم فقد أطاع اللّه، ومن عصى محمّداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى اللّه» وينبغي أن يعلم المدعوّ أنّه بمجرّد بلوغ الدّعوة له بصورة واضحة فقد قامت عليه حجّة اللّه، فإن لم يؤمن باللّه ورسوله استحقّ عقوبة المشركين والكافرين، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً‏}‏، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «والّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصرانيّ، ثمّ يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به إلاّ كان من أصحاب النّار»‏.‏ وإذا أسلم الكافر وجب عليه أن لا يكتفي بالتّسمّي بالإسلام، بل عليه العلم بأحكامه والعمل بها، والتّخلّق بالأخلاق الإسلاميّة، والمبادرة إلى التّخلّص ممّا ينافي الإسلام من الاعتمادات والعادات‏.‏

من لم تبلغهم دعوة الإسلام

18 - من لم تبلغهم الدّعوة الإسلاميّة لا يكلّفون بشيء من الأحكام الشّرعيّة، أمّا إذا رغب أحد من الكفّار في دخول بلاد المسلمين ليسمع القرآن، ويعلم ما جاء به، ويفهم أحكامه وأوامره ونواهيه، فيجب إعطاؤه الأمان لأجل ذلك، فإن قبل فهو حسن، وإلاّ وجب ردّه إلى مأمنه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

أمّا من حيث النّجاة في الآخرة، فقد قسّم الإمام الغزاليّ النّاس في شأن دعوة محمّد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام‏:‏

الأوّل‏:‏ من لم يعلم بها بالمرّة، قال‏:‏ وهؤلاء ناجون‏.‏

الثّاني‏:‏ من بلغته الدّعوة على وجهها ولم ينظر في أدلّتها استكباراً أو إهمالاً أو عناداً، قال‏:‏ وهؤلاء مؤاخذون‏.‏

الثّالث‏:‏ من بلغته الدّعوة على غير وجهها، كمن بلغه اسم محمّد صلى الله عليه وسلم لم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا منذ الصّبا باسمه من أعدائه متّهماً بالتّدليس والكذب وادّعاء النّبوّة قال‏:‏ فهؤلاء في معنى الصّنف الأوّل‏.‏

المكلّف بالدّعوة إلى اللّه

19 - الإمام أولى النّاس بإقامة الدّعوة إلى اللّه، وذلك لأمور‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّ الإمامة في شريعة الإسلام إنّما هي لحراسة الدّين وسياسة الدّنيا، وحراسة الدّين تتضمّن الحرص على نشره، وتقويته، وقيام العمل به، واستمرار كلمته عاليةً، وتتضمّن الدّفاع عنه ضدّ الشّبهات، والضّلالات، الّتي يلقيها ويبثّها أعداء الدّين‏.‏ قال ابن تيميّة‏:‏ ‏"‏ وليّ الأمر إنّما نصّب ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وذلك هو مقصود الولاية ‏"‏ كما أنّ من واجب الإمام إقامة الجهاد لنشر الإسلام، والجهاد في ذلك نوع من الدّعوة إلى اللّه على ما يأتي بيانه‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ الدّعوة إلى اللّه هو على المسلمين فرض كفاية على الرّاجح، وفروض الكفايات على الإمام القيام بها أو تكليف من يقوم بها، كتكليفه للقضاة، والأئمّة، والمؤذّن، وأهل الجهاد، ونحو ذلك‏.‏

الثّالث‏:‏ أنّ ما حصل للإمام من التّمكين في الأرض ونفوذ الكلمة على المسلمين يقتضي أن يكون صالحاً في نفسه محاولاً الإصلاح جهده، لقول اللّه تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ‏}‏‏.‏

20 - والدّعوة إلى اللّه مكلّف بها كلّ مسلم ومسلمة على سبيل الوجوب الكفائيّ أو العينيّ، فليست خاصّةً بالعلماء الّذين بلغوا في العلم المراتب العالية، وإنّما ينبغي أن يكون الدّاعي عالمًا بما يدعو إليه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نضّر اللّه امرأً سمع منّا شيئاً فبلّغه كما سمع»‏.‏ وقوله‏:‏ «بلّغوا عنّي ولو آيةً» وقال بعد أن خطب في حجّة الوداع‏:‏

«ليبلّغ الشّاهد الغائب»‏.‏ فالمسلم يدعو إلى أصل الإسلام، وإلى أصل الأمور الظّاهرة منه كالإيمان باللّه، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، وكفعل الصّلاة، وأداء الزّكاة والصّوم، والحجّ ونحو ذلك، وإلى نحو ترك المعاصي الظّاهرة من الزّنا، وشرب الخمر، والعقوق، والفحش في القول‏.‏ ولكن ليس له أن يدعو إلى شيء يجهله، لئلاّ يكون عليه إثم من يضلّهم بغير علم، ويختصّ أهل العلم بالدّعوة إلى تفاصيل ذلك، وكشف الشّبه، وجدال أصحابها، وردّ غلوّ الغالين، وانتحال المبطلين ونحو ذلك، ولغير العلماء أيضاً الدّعوة إلى مسائل جزئيّة إذا علموها وأصبحوا بها على بصيرة، ولا يشترط لذلك التّبحّر في العلم الدّينيّ بجميع أقسامه، فكلّ من الطّرفين يدعو إلى ما هو عالم به‏.‏

قال الغزاليّ‏:‏ ‏"‏ واجب أن يكون في كلّ مسجد ومحلّة من البلد فقيه يعلّم النّاس دينهم، وكذا في كلّ قرية ‏"‏ ثمّ قال‏:‏ ‏"‏ وكلّ عامّيّ عرف شروط الصّلاة فعليه أن يعرّف غيره، وإلاّ فهو شريك في الإثم‏.‏‏.‏ ومعلوم أنّ الإنسان لا يولد عالماً بالشّرع، وإنّما يجب التّبليغ على أهل العلم‏.‏ فكلّ من تعلّم مسألةً واحدةً فهو من أهل العلم بها‏.‏ والإثم - أي في ترك التّبليغ - على الفقهاء أشدّ لأنّ قدرتهم فيه أظهر، وهو بصناعتهم أليق ‏"‏‏.‏

شروط الدّاعية

21 - يشترط في الدّاعية أن يكون مكلّفاً ‏"‏ أي مسلماً عاقلاً بالغاً ‏"‏ وأن يكون عالماً عادلاً، ولا خلاف في أنّ المرأة مكلّفة بالدّعوة، مشاركة للرّجل فيها‏.‏

وراجع هنا مصطلح‏:‏ ‏(‏الأمر بالمعروف، ف /4‏)‏‏.‏

أخلاق الدّاعية وآدابه

22 - يجب أن تكون أخلاق الدّاعية منسجمة ومتّفقة مع مضمون الدّعوة، وهو الّذي يتمثّل في القرآن الكريم وفي السّنّة المطهرة، ومناسبة ذلك تظهر من ثلاثة أوجه‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّ في التّخلّق بأخلاق القرآن والسّنّة الخير كلّه، من الكرم، والسّماحة، والوفاء، والصّدق، وغير ذلك من الأخلاق الإسلاميّة‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ اللّه عزّ وجلّ لمّا أراد أن يختار محمّداً صلى الله عليه وسلم لدعوة الإسلام أدّبه فأحسن تأديبه، وجعله على خلق عظيم، وكان خلقه القرآن‏.‏

الثّالث‏:‏ أنّ تخلّق الدّاعي بما يدعو إليه واصطباغه بصبغته، يعينه على الدّعوة، فإنّه ييسّر على المدعوّين قبول الدّعوة، إذ يرون داعيهم ممتثلاً لما يدعو إليه، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أمر بأمر بدأ فيه بنفسه وأهله، كما قال في خطبته في حجّة الوداع‏:‏ «ألا وإنّ كلّ دم ومال ومأثرة كانت في الجاهليّة تحت قدميّ هاتين إلى يوم القيامة، وإنّ أوّل دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب‏.‏ ثمّ قال‏:‏ ألا وإنّ كلّ رباً كان في الجاهليّة موضوع، وإنّ اللّه قضى أنّ أوّل رباً يوضع ربا العبّاس بن عبد المطّلب»‏.‏

الرّابع‏:‏ أنّ موافقة أخلاق الدّاعي لمضمون دعوته يؤكّد مضمون الدّعوة ويقوّيه في نفوس المدعوّين والأتباع، فإنّه يكون مثلاً حيّاً لما يدعو إليه، ونموذجاً عمليّاً يحتذيه الأتباع، ويخرج في أنفسهم عن أن يكون مضمون الدّعوة أمراً خياليّاً بعيداً عن الواقع‏.‏ هذا بالإضافة إلى أنّ المدعوّ يتعلّم من أخلاق الدّاعية من التّفاصيل ما قد لا تبلّغه الدّعوة القوليّة‏.‏

ولو أنّ أخلاق الدّاعي كانت على خلاف ما يدعو إليه كان ذلك تكذيباً ضمنيّاً لدعوته، وإضعافاً لها في نفوس المدعوّين والأتباع، والمعصية قبيحة من كلّ أحد، ولكنّها من الدّاعية أشدّ قبحاً وسوءاً‏.‏ وهو مهلك لدعوته، قاطع للنّاس عن القبول منه‏.‏

وهذا القول صادق على التّمسّك بالأخلاق والآداب الإسلاميّة بصفة عامّة‏.‏

الخامس‏:‏ التّحلّي بمكارم الأخلاق، ومحاسن الصّفات‏.‏

على الدّعاة أن يزيدوا عنايتهم بأخلاق وصفات معيّنة خاصّة، لما لها من مساس بالدّعوة يؤدّي إلى نجاحها، كالصّبر والتّواضع، والرّحمة واللّين، والرّفق بالمدعوّين، والصّدق والوفاء، والحنكة والفطنة في التّعامل مع من يدعوهم، ومع ظروف الدّعوة، ورعاية الضّعفاء والعامّة عند التّعامل معهم، والفطنة في التّعامل مع أهل النّفاق‏.‏

وكذلك التّعاون وعدم الاختلاف بين الدّعاة، مع التّحابّ والتّواصل والتّناصح فيما بينهم، حتّى تؤتي الدّعوة أكلها، والحذر من أهل النّفاق، وممّن يحاولون إفساد ذات البين بين الدّعاة‏.‏

طرق الدّعوة وأساليبها

23 - طرق الدّعوة وأساليبها تتنوّع بتنوّع ظروف الدّعوة، وباختلاف أحوال المدعوّين والدّعاة، وذلك لأنّ الدّعوة تعامل مع النّفوس البشريّة، والنّفوس البشريّة مختلفة في طبائعها وأمزجتها، وما يؤثّر في إنسان قد لا يؤثّر في غيره، وما يؤثّر في إنسان في حال قد لا يؤثّر فيه في حال أخرى، فلا بدّ للدّاعية من مراعاة ذلك كلّه والعمل بحسبه، ويجمع ذلك كلّه قول اللّه تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏}‏ والحكيم - كما في لسان العرب - المتقن للأمور‏.‏

24 - ومن الأساليب الرّئيسيّة في الدّعوة الّتي سار عليها النّبيّون وعمل بها السّلف الصّالح، ودلّت عليها حجج التّجارب‏:‏

أ - التّمسّك بالحقّ والصّواب في وسائل الدّعوة، فلا يسلك وسائل غير مشروعة‏.‏

ب - التّدرّج في الدّعوة‏.‏

ج - التّريّث والتّمهّل وعدم استعجال النّتائج قبل أدائها‏.‏

د - التّصدّي للشّبهات الّتي يطرحها أعداء الدّين للتّشكيك في الدّعوة، أو الدّعاة، وإزالة تلك الشّبهات‏.‏

هـ - تنويع أساليب الدّعوة باستخدام التّرغيب والتّرهيب‏.‏

و- الاستفادة من الفرص المتاحة لتبليغ الدّعوة‏.‏

ز- تقديم النّفع، وبذل المعروف لكلّ من يحتاج إليه، كإطعام المسكين، وكسوة العاري، ورعاية اليتيم، ومعونة المضطرّ‏.‏

ح- إنشاء المراكز التّعليميّة ليتابع الدّاخل في الإسلام، بالتّربية، وتعليم القرآن والسّنّة، وسيرة السّلف الصّالح، وتفقيهه في الدّين، واستئصال بقايا الشّرك والجاهليّة، وأخلاقهما، وعاداتهما، وآدابهما، المخالفة لدين اللّه‏.‏

وسائل الدّعوة

25 - وسائل الدّعوة متنوّعة، فكلّ وسيلة تساعد على تحقيق أهداف الدّعوة يمكن اتّخاذها لذلك، ما لم تكن محرّمةً شرعًا‏.‏ والوسائل الرّئيسيّة أنواع‏.‏ فمنها‏:‏

أ - التّبليغ بالقول، وهو الأصل في وسائل الدّعوة‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

ويكون ذلك بأمور أهمّها‏:‏

- قراءة القرآن وبيان معانيه، والخطب، والمحاضرات، والنّدوات، ومجالس التّذكير، والدّروس في المساجد وخارجها، ويكون بزيارات المدعوّين، واستغلال التّجمّعات‏.‏

- وشبيه بالقول الكتابة، كما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم في دعوة الملوك، كما استعمله الخلفاء من بعده، ويمكن الإفادة من وسائل الإعلام العديدة، كالإذاعات المسموعة، والمرئيّة، والصّحافة، والكتب والمنشورات، وغيرها‏.‏

ب - التّبليغ عن طريق القدوة الحسنة، والسّيرة الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والتّمسّك بأهداب الدّين‏.‏

ج - الجهاد في سبيل اللّه، لأنّه وسيلة لحماية الدّعوة، ومواجهة المتصدّين لها‏.‏

أمّا الّذين يعيشون مع المسلمين في سلام، فإنّ الإسلام لا ينهى عن برّهم ومودّتهم، ويمكن أن يقفوا على محاسن الإسلام باختلاطهم بالمسلمين‏.‏

ثانياً‏:‏ الدّعوة إلى الطّعام

26 - الدَّعوة والدِّعوة والمَدْعاة والمِدْعاة ما دعوت إليه من طعام وشراب‏.‏

وخصّ اللّحيانيّ بالدَّعوة الوليمة، إلاّ أنّ المشهور أنّ الدّعوة أعمّ من الوليمة‏.‏

وبمعنى الدّعوة المأدبة‏.‏ قال ابن منظور‏:‏ المأدبة كلّ طعام صنع لدعوة أو عرس‏.‏

ويطلق العرب على أنواع الدّعوات إلى الطّعام أسماءً خاصمةً يحصيها الفقهاء عادةً أوّل باب الوليمة، قال البهوتيّ‏:‏ إنّها إحدى عشرة‏:‏

أ - الوليمة‏:‏ وهي طعام العرس، وقيل‏:‏ هي اسم لكلّ دعوة طعام لسرور حادث، فتكون على هذا النّوع مرادفةً للدّعوة، إلاّ أنّ استعمالها في طعام العرس أكثر‏.‏

وقد جرت العادة بجعل الوليمة قبل الدّخول بزمن يسير‏.‏ والأعراف تختلف في ذلك‏.‏

ب - الشّندخيّة‏:‏ وهي طعام الإملاك على الزّوجة، وسمّيت بذلك من قولهم‏:‏ فرس مشندخ أي يتقدّم غيره، لأنّ طعام الإملاك يتقدّم الدّخول‏.‏

ج - الإعذار والعذيرة والعذْرة والعذير‏:‏ وهي الدّعوة إلى طعام يصنع عند ختان المولود‏.‏ د - الخُرس أو الخُرسة‏:‏ وهو الإطعام عند الولادة، لخلاص الوالدة وسلامتها من الطّلق‏.‏

هـ- العقيقة‏:‏ الذّبح للمولود يوم سابعه‏.‏

و- الوكيرة‏:‏ وهي الطّعام الّذي يصنع بمناسبة البناء، قال النّوويّ‏:‏ أي المسكن المتجدّد، سمّيت بذلك من الوكر، وهو المأوى والمستقرّ‏.‏

ز- النّقيعة‏:‏ وهي ما يصنع من الطّعام للغائب إذا قدم من سفر طويلاً كان أو قصيراً، وفي كتب الشّافعيّة استحبابها للعائد من الحجّ‏.‏

ح - التّحفة‏:‏ وهي الطّعام الّذي يصنعه لغيره القادم الزّائر، وإن لم يكن قادماً من سفر‏.‏

ط - الحذّاق‏.‏ وهو ما يصنع من الطّعام عند حذّاق الصّبيّ، وهو يوم ختمه للقرآن‏.‏

ي - الوضيمة‏:‏ وهي طعام المأتم‏.‏ وقال القليوبيّ‏:‏ هي للمصيبة‏.‏

ك - والشّنداخ‏:‏ وهو المأكول من ختمة القارئ‏.‏

ل - والعتيرة‏:‏ وهي الذّبيحة تذبح أوّل يوم من رجب‏.‏ وقد يجري العرف بدعوات أخرى، غير مسمّاة، وقد ذكر منها صاحب كشّاف القناع نقلاً عن كتب الشّافعيّة الدّعوة للإخاء‏.‏ وفي المذاهب الفقهيّة بعض الاختلاف في أسماء بعض هذه الدّعوات وينظر ذلك في مصطلحات‏:‏ ‏(‏وليمة، وعقيقة، وختان، وغيرها‏)‏‏.‏

أمّا ما تختصّ به دعوة العرس والعقيقة وغيرهما من الأحكام فيذكر في مصطلحه، ونذكر هنا أحكام الدّعوات وما يتعلّق بالدّعوة بصفة عامّة‏.‏

مسقطات وجوب إجابة الدّعوة

27 - يسقط وجوب إجابة الدّعوة بأمور منها‏:‏

أ - أن يكون الدّاعي ظالماً أو فاسقاً، أو مبتدعاً‏.‏

ب - أن يكون مال الدّاعي يختلط فيه الحلال بالحرام‏.‏

ج - إذا كان الدّاعي امرأةً ولم تؤمن الخلوة‏.‏

د - إذا كان الدّاعي غير مسلم، فيجوز إجابته إذ ا كان يرجى إسلامه، أو كان جاراً، أو كانت بينه وبين الدّاعي قرابة‏.‏

هـ- أن لا يكون الدّاعي قد عيّن بدعوته من يريد حضوره، وإنّما عمّم الدّعوة‏.‏

و- أن تكون الدّعوة بلفظ غير صريح، كقوله‏:‏ إن شئت فاحضر‏.‏

ز- أن يختصّ بالدّعوة الأغنياء ويترك الفقراء‏.‏

ح - أن يعلم أنّه سيكون في المدعوّين من يتأذّى به المدعوّ، لأمر دنيويّ أو دينيّ‏.‏

ط - أن يكون في الدّعوة منكر يعلم به المدعوّ قبل حضوره‏.‏

ي - تكرّر الدّعوة لثلاثة أيّام فأكثر‏.‏

ك - أن يكون الدّاعي مديناً للمدعوّ‏.‏

ل - أن يكون هناك داعيان فأكثر، ولا يتأتّى إجابة الدّعوات كلّها فيجيب الأوّل‏.‏

كما تسقط إجابة الدّاعي لأعذار خاصّة بالمدعوّ، كأن يكون مريضاً، أو مشغولاً بحقّ لغيره، أو أن يكون في المكان كثرة زحام، أو كون المدعوّ قاضيًا والدّاعي خصماً، أو لا يقيم الدّعوة لولا القاضي - مع تفصيل في المذاهب بالنّسبة إلى القاضي - ينظر في ‏(‏أدب القاضي وفي وليمة‏)‏‏.‏

كما تسقط إجابة الدّعوة بإعفاء الدّاعي، كسائر حقوق الآدميّين‏.‏ وفي كلّ هذا خلاف وتفصيل يذكر في مصطلح‏:‏ ‏(‏وليمة، خطبة، نكاح، عقيقة، ضيافة‏)‏‏.‏

28 - من الآداب الّتي يراعيها الدّاعي في دعوته‏:‏

أ - أن يعيّن من يدعوه‏.‏

ب - وأن يخصّ بدعوته أهل الصّلاح والتّقوى‏.‏

ج - وأن لا يسرف فيما يقدّمه ولا يقتّر‏.‏

د - وأن لا يلحّ بالفطر على من كان صائمًا‏.‏

هـ- وأن يتبسّط مع المدعوّين في الحديث، ويشاركهم في الطّعام‏.‏

و- وأن لا يمدح طعامه‏.‏

ز- وأن يكرم أفضل المدعوّين في التّقديم والتّوديع‏.‏

ومن الآداب الّتي يراعيها المدعوّ

أ - أن ينوي بإجابة الدّعوة تكريم الدّاعي‏.‏

ب - وأن لا يدخل بيت الدّاعي إلاّ بإذنه‏.‏

ج - وأن لا يتصدّر المجلس، واذا عيّن له صاحب الدّعوة مكاناً معيّناً فلا يتعدّاه‏.‏

د - وأن لا يمتنع من الطّعام إلاّ إذا كان صائماً صوماً واجباً‏.‏

هـ - وأن لا يسارع إلى تناول الطّعام‏.‏

و- وأن يراعي الآداب العامّة في الأكل‏.‏

ز- وأن يؤثر على نفسه المحتاج من الحاضرين‏.‏ فيترك له ما يلائمه‏.‏

ح - أن لا يعجّل برفع يده من الطّعام حتّى يفرغ القوم‏.‏

ط - أن يدعو لصاحب الطّعام بعد الفراغ‏.‏

ي - وأن لا يطيل الجلوس بعد الطّعام‏.‏

التّطفّل على الدّعوات

29 - لا يجوز أن يدخل إلى الولائم وغيرها من الدّعوات من لم يدع إليها، فإنّ في هذا دناءةً ومذلّةً، ولا يليق ذلك بالمؤمن، وفي الحديث من رواية ابن عمر مرفوعاً «من دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً» الحديث‏.‏ ومن يفعل ذلك يسمّى الطّفيليّ‏.‏

وعلى هذا فالتّطفّل حرام عند جمهور الفقهاء، ما لم يكن غير المدعوّ تابعاً لمدعوّ ذي قدر يعلم أنّه لا يحضر وحده عادةً، فلا يحرم، لأنّه مدعوّ حكماً بدعوة متبوعه، وكره أحمد أن يتعمّد الرّجل القوم حين وضع الطّعام فيفجأهم، وإن فجأهم بلا تعمّد أكل نصّاً، وأطلق في المستوعب وغيره الكراهة إلاّ من عادته السّماحة‏.‏

ولو أنّ أحداً أو جماعةً دعوا فتبعهم من لم يكن مدعوّاً لم يكن لهم أن ينهوه ولا أن يأذنوا له، ويلزمهم إعلام صاحب الطّعام، لما روى أبو مسعود الأنصاريّ‏:‏ «أنّ رجلاً من الأنصار دعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فلمّا جاءوا اتّبعهم رجل لم يدع، فلمّا بلغ الباب قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّ هذا اتّبعنا، فإن شئت أن تأذن له، وإن شئت رجع‏.‏ قال‏.‏ بل آذن له يا رسول اللّه»‏.‏

الدّعوة بمعنى‏:‏ النّداء أو طلب الحضور

30 - وهذا في اللّغة كثير بل هو الأصل في الدّعوة بالمعاني الأخرى، ومنه قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ‏}‏ أي يناديكم لتخرجوا من قبوركم فتقومون‏.‏ يقال دعوته دعوةً ودعاءً‏:‏ أي ناديته‏.‏ ويكون من الأعلى للأدنى كما في الآيتين السّابقتين، ومن الأدنى للأعلى، ومن المساوي للمساوي، بخلاف الدّعاء الّذي فيه معنى العبادة، فلا يكون إلاّ من الأدنى للأعلى‏.‏

الحكم التّكليفيّ للدّعوة

31 - قال الحنفيّة‏:‏ وليمة العرس سنّة وفيها مثوبة عظيمة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ وليمة العرس مندوبة، وقيل واجبة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ وليمة العرس وغيره سنّة لثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ الأصل في جميع الدّعوات المسمّاة وغير المسمّاة أنّها جائزة، أي مباحة، لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة‏.‏

ويستثنى من ذلك ثلاثة أنواع وهي‏:‏ وليمة العرس فإنّها سنّة مؤكّدة، وقيل واجبة، والعقيقة فإنّها سنّة، والمأتم فإنّه مكروه وهو اجتماع النّساء في الموت‏.‏ وفي المغني خلاف ذلك، قال‏:‏ حكم الدّعوة للختان وسائر الدّعوات غير الوليمة أنّها مستحبّة‏.‏

وانظر للتّفصيل والخلاف‏:‏ ‏(‏وليمة، عقيقة، جنازة، ختان‏)‏‏.‏

تكرار الدّعوة

31 م - قال الحنفيّة لا بأس بأن يدعو للوليمة ثلاثة أيّام، ثمّ ينقطع العرس بعد ذلك والوليمة، ويكره عند المالكيّة تكرار الدّعوة للسّبب الواحد ولو وليمةً، قالوا‏:‏ إلاّ أن يكون المدعوّ ثانياً غير المدعوّ أوّلاً‏.‏

وإن كان تكرارها لضيق منزل، أو لأنّه أراد أن يدعو جنساً بعد جنس، فلا كراهة، قاله القليوبيّ من الشّافعيّة‏.‏

وعند الحنابلة لا تكون مكروهةً إلاّ إذا كرّرها لليوم الثّالث أو ما بعده للحديث‏:‏ «الوليمة أوّل يوم حقّ، والثّاني معروف، الثّالث رياء وسمعة»‏.‏

حكم إجابة الدّعوة

32 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ إجابة الدّعوة في الأصل واجبة إن كانت إلى وليمة عرس ‏(‏ر‏:‏ وليمة‏)‏ وأمّا ما عداها فقد اختلف في الإجابة إليها‏.‏

فقال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ ليست الإجابة إليها واجبةً بل هي مستحبّة إن لم يكن عذر أو مانع على ما يأتي‏.‏ وسواء كانت لسبب كبناء أو ولادة أو ختان أو غير ذلك، ما لم تكن من الدّاعي مكروهةً كدعوة المأتم، وذلك لأنّ في إجابة الدّاعي تطييب نفسه، وجبر قلبه‏.‏

ومذهب المالكيّة على ما عند ابن رشد‏:‏ أنّ الإجابة لغير العرس والعقيقة مباحة وقيل هي مكروهة، والمأدبة إذا فعلت لإيناس الجار ومودّته مندوبة‏.‏

وفي قول للشّافعيّة‏:‏ إنّ الإجابة واجبة على المدعوّ في وليمة العرس وغيرها، أخذاً بالعمومات، ومنها ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً‏.‏ «إذا دعا أحدكم أخاه فليجب، عرساً كان أو نحوه» وقوله‏:‏ «حقّ المسلم على المسلم خمس ردّ السّلام، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وإجابة الدّعوة، وتشميت العاطس»‏.‏

فجعل إجابة الدّعوة حقّاً للمسلم، والحقّ هو الواجب، ولم يخصّ عرساً من غيره‏.‏

إجابة دعوة الفقراء والإجابة على الطّعام القليل

33 - لا ينبغي أن يكون فقر الدّاعي، أو خفّة شأنه، أو قلّة الطّعام مانعاً من إجابة الدّعوة، فإنّ ذلك من الكبر‏.‏ والدّعوة مشروعة لإحياء المودّة بين المسلمين ومزيد التّآلف‏.‏

وفي حديث البخاريّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إليّ كراع لقبلت»‏.‏ والكراع من الشّاة ونحوها‏:‏ مستدقّ السّاق‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ في الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب النّاس، وعلى قبول الهديّة واجابة من يدعو الرّجل إلى منزله ولو علم أنّ الّذي يدعو إليه شيء قليل، ثمّ قال‏:‏ قال المهلّب‏:‏ لا يبعث على الدّعوة إلى الطّعام إلاّ صدق المودّة وسرور الدّاعي بأكل المدعوّ من طعامه، والتّحبّب إليه بالمؤاكلة، وتوكيد الذّمام معه بها، فلذلك حضّ صلى الله عليه وسلم على الإحابة ولو نزر الطّعام المدعوّ إليه، وفي الحديث‏:‏

«الإجابة لما قلّ أو كثر»‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ وفي صحيح مسلم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوا»‏.‏ وفي الحديث أيضاً عند ابن ماجه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك»‏.‏

الآداب الشّرعيّة للدّعوة بمعنى المناداة

34 - أ - من أدب الدّعوة من المسلم لأخيه المسلم أن يناديه بالاسم أو الوصف الّذي يحبّه، قال ابن عقيل‏:‏ ‏"‏ لا تدعون أحداً إلاّ بأحبّ أسمائه إليه ‏"‏ ومن ذلك استعمال الكنى في النّداء كقولك‏:‏ يا أبا فلان ويا أمّ فلان، وذلك عند العرب نوع من التّكريم، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكنّي أصحابه، وقد ورد أنّه كنّى بعض الصّغار منهم، كما في حديث أنس «أنّه صلى الله عليه وسلم قال لأخي أنس وكان صغيراً‏:‏ يا أبا عمير ما فعل النّغير»‏.‏

35 - ب - ومنها أن لا يكون النّداء بالألقاب المكروهة والأسماء الّتي فيها تحقير وينفر منها صاحبها، لقول اللّه تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ‏}‏ وفي سنن التّرمذيّ من حديث أبي جبيرة بن الضّحّاك قال‏:‏ كان الرّجل منّا يكون له الاسمان والثّلاثة فيدعى بها فعسى أن يكره فنزلت ‏{‏وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ‏}‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وهذا ما لم يكن النّداء بالوصف المكروه سبيل التّأديب والتّعزير لمن يستحقّه‏.‏ أو على سبيل الانتصار من الظّالم بسبب ظلمه، وذلك لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ‏}‏‏.‏ فيقول له‏:‏ يا ظالم يا خائن، إن كان قد وقع منه الظّلم أو الخيانة‏.‏ ولا يحلّ للمسلم أن يدعو أخاه المسلم بالكفر بأن يقول له‏:‏ يا كافر، أو يا يهوديّ، أو يا نصرانيّ‏.‏ وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدوّ اللّه وليس كذلك إلاّ حار عليه» وفي حديث آخر‏:‏ «أيّما امرئ قال لأخيه‏:‏ يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلاّ رجعت عليه»‏.‏

36 - ج - ومنها أن يراعي الدّاعي ما حضّ عليه الشّرع في المخاطبات من توقير من يستحقّ التّوقير والتّبجيل لعلمه أو دينه أو عدله‏.‏

وقد روى عبد الرّزّاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال‏:‏ «من السّنّة أن يوقّر أربعة‏:‏ العالم، وذو الشّيبة والسّلطان والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرّجل والده باسمه»‏.‏

37 - د - ومنها أن لا يستعمل في النّداء الألفاظ الدّالّة على إهانة المخاطب لنفسه أمام المخاطب، فإنّ المسلم كريم بكرامة الإيمان، عزيز بعظمة اللّه في صدره، وفي الحديث‏:‏

«لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه»‏.‏

الحكم التّكليفيّ للدّعوة والإحابة إليها

38 - تأخذ الدّعوة حكم ما تدعو إليه غالباً، فقد تكون واجبةً، أو سنّةً، أو مستحبّةً، أو مكروهةً، أو محرّمةً، فتكون تلبية الدّعوة واجبةً في أحوال منها‏.‏

39 - أ - أن يدعى لأداء واجب، فإن كان واجباً عينيّاً كإقامة الصّلاة فلا يصحّ تأخيره وكانت الإجابة إليه متعيّنةً، وإن كان واجباً على الكفاية كانت الإحابة إليه واجبةً على الكفاية، كإجابة دعوة الملهوف، والمضطرّ المشرف على الهلاك، والمستغيث ‏(‏ر‏:‏ استغاثة، اضطرار‏)‏‏.‏

40 - ب - أن يدعى إلى ترك المعصية فتجب الاستجابة للدّاعي، لأنّ الفعل واجب التّرك أصلاً، ويتأكّد الوجوب بالدّعوة إليه أيضاً، وقد قال اللّه تعالى في شأن المنافقين ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ‏}‏ وفي مقابل ذلك قال تعالى في شأن المؤمنين‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ‏}‏‏.‏

41 - ج - وتكون الاستجابة أيضًا واجبةً على من دعي إلى قاض يحكم طبقاً للشّريعة في حقّ عليه‏.‏ فعليه الاستجابة، ويحرم الامتناع إن كان عليه ما يتوقّف ثبوته على حضوره، وإلاّ وجب الوفاء أو الحضور وإن لم يثبت الحقّ‏.‏ ولو دعاه القاضي نفسه لزم الحضور أيضًا، وذلك لقول اللّه تبارك وتعالى في وصف المنافقين‏:‏ ‏{‏وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ، وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ وفي المسألة تفصيلات تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏دعوى، وقضاء‏)‏‏.‏ 42 - د - وتكون الإجابة واجبةً أيضاً على من دعي لتحمّل الشّهادة، أو دعي لأداء شهادة تحمّلها، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُواْ‏}‏ قال المحلّيّ‏:‏ تحمّل الشّهادة فرض كفاية في النّكاح - أي في حقّ من هم أهل لثبوته، وإن زادوا على النّصاب - لتوقّف الانعقاد عليه، فيلزمه الاستجابة إن كان حاضراً، فإن كان غائباً ودعي للتّحمّل فالأصحّ عدم وجوب الإجابة إلاّ أن يكون المحمّل مريضاً، أو محبوساً، أو امرأةً مخدّرةً، أو قاضيًا يشهده على أمر ثبت عنده‏.‏

وأمّا الدّعوة للأداء، فإن لم يكن في القضيّة إلاّ اثنان لزمهما الأداء لما دون مسافة القصر، فإن كانوا أكثر فالوجوب على الكفاية‏.‏ وفي المسألة خلاف وتفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏

43 - هـ - أن يكون الدّاعي واجب الطّاعة، ومن ذلك‏:‏

أ - الاستجابة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقد كان واجباً على كلّ صحابيّ سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يناديه أن يستجيب له، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً‏}‏ على أحد الأقوال في تفسير الآية‏.‏

قال الرّازيّ وهو اختيار القفّال والمبرّد، قال‏:‏ أي ولا تجعلوا أمره إيّاكم ودعاءه لكم كما يكون من بعضكم لبعض، إذ كان أمره فرضاً لازماً‏.‏ هذا وتجب الاستجابة لدعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم سواء أكان المدعوّ في غير صلاة، أو كان في صلاة فرض، أو صلاة نفل‏.‏ وفي بطلان الصّلاة بالاستجابة له بالقول خلاف، وذلك لما روى أبو سعيد بن المعلّى، قال‏:‏ «كنت أصلّي فمرّ بي النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم آته حتّى صلّيت، ثمّ أتيته، فقال‏:‏ ما منعك أن تأتيني‏؟‏ ألم يقل اللّه‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ‏}‏ ثمّ قال‏:‏ لأعلّمنّك أعظم سورة من القرآن قبل أن تخرج من المسجد‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث»‏.‏

44 - ب - أن يكون الدّاعي هو الأب أو الأمّ، إذ من العقوق لهما أن يسمعهما يدعوانه فلا يستجيب لهما، فإن دعواه جميعاً أجاب الأمّ أوّلاً، ويدلّ لأصل المسألة في الوجوب قصّة جريج العابد، وفيه‏:‏ «أنّه كان يتعبّد في صومعة فجاءت أمّه، فرفعت رأسها تدعوه، فقالت‏:‏ يا جريج أنا أمّك كلّمني‏.‏ فصادفته يصلّي، فقال‏:‏ اللّهمّ أمّي وصلاتي، فاختار صلاته ‏"‏ الحديث ‏"‏ وفيه أنّها دعت عليه فاستجاب اللّه دعاءها»‏.‏

قال الحنفيّة كما في الدّرّ وردّ المحتار‏:‏ لو دعاه أحد أبويه في الفرض لا يجيبه إلاّ أن يستغيث به - واستغاثة غير الأبوين كذلك - وكان له قدرة على إغاثته وتخليصه، فيجب إغاثته وقطع الصّلاة، وفي النّفل إن علم الّذي ناداه من أب أو أمّ أنّه في الصّلاة فدعاه لا يجيبه، لأنّ نداءه له مع علمه أنّه في صلاة معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن لم يعلم أنّه في صلاة فإنّه يجيبه، لما في قصّة جريج العابد‏.‏ وقد تقدّمت‏.‏

وعند المالكيّة أنّ إجابة الوالد في النّافلة أفضل من التّمادي فيها، وحكى القاضي أبو الوليد ابن رشد أنّ ذلك يختصّ بالأمّ دون الأب وقال به من السّلف مكحول‏.‏

وقال النّوويّ في شأن حديث قصّة جريج‏:‏ قال العلماء‏:‏ في هذا دليل على أنّه كان الصّواب في حقّه إجابتها، لأنّه كان في صلاة نفل، والاستمرار فيها تطوّع لا واجب، وإجابة الأمّ وبرّها واجب، وعقوقها حرام‏.‏

وقال ابن حجر‏:‏ جواز قطع الصّلاة مطلقاً لإجابة نداء الأمّ نفلاً كانت أو فرضاً وجه في مذهب الشّافعيّ، حكاه الرّويانيّ، والأصحّ عند الشّافعيّة أنّ الصّلاة إن كانت نفلاً وعلم تأذّي الوالد بالتّرك وجبت الإجابة وإلاّ فلا، وإن كانت فرضاً وضاق الوقت لم تجب الإجابة، وإن لم يضق وجب عند إمام الحرمين، وخالفه غيره لأنّها تلزم بالشّروع‏.‏

ج - أن يكون الدّاعي هو الزّوج إذا دعا امرأته إلى فراشه، لما في الحديث‏:‏ «إذا دعا الرّجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتّى تصبح»‏.‏

6- أن يكون الدّاعي هو إمام المسلمين أو من ينوب عنه في الولاية، كأمير الحجّ، وأمير الجيش، والوالي ونحوهم، فتجب الاستجابة لهم بمقتضى الولاية، ما لم تكن دعوتهم إلى محرّم‏.‏